أمر الوزير الأول، ضمنيا، بغلق الهيئات والمؤسسات العمومية التي تثبت عدم جدواها الاقتصادي، في إطار إجراءات التقشف التي أعلنتها الحكومة لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط، وهو ما سيؤدي حتما إلى تسريح آلاف العمال، موازاة مع قرار تعليق التوظيف العام المقبل، وتوقيف عمليات التكوين والتنقلات الرسمية إلى الخارج.
وجه الوزير الأول، عبد المالك سلال، تعليمة إلى وزرائه في الحكومة، والولاة وكذا المدير العام للوظيفة العمومية، بتاريخ 25 ديسمبر 2014، بخصوص تدابير تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية للبلاد، أمر من خلالها “بضرورة التحلي بسلوك صارم وشجاع في مجال النفقات العمومية، والامتثال إلى مسعى وانضباط حكومي متناسق واستشرافي حذر..”.
غير أن تعليمة سلال استثنت قطاعات التربية والصحة والتعليم العالي والمهني والسكن، حينما أكد على أن الجزائر تملك القدرات لمواجهة هذه الأزمة، والحفاظ على برنامج التنمية المدعم للسياسة الاجتماعية، وهو ما يبدد مخاوف موظفي هذه القطاعات الحساسة، من إمكانية إلغاء مسابقات التوظيف الداخلي والخارجي المقررة بداية العام المقبل، خاصة في التربية والصحة، وهو ما ذكرته مصادر رسمية من هاتين الدائريتين الوزارتين، حيث قالت لـ”الخبر” إن الوزيرين بن غبريت وبوضياف لم يتلقيا، إلى غاية الآن، مراسلة الوزير الأول، ما يجعل قرار تنظيم مسابقات التوظيف والترقية الآلية في القطاعين قائما، بالنظر إلى العجز الكبير في مختلف الأسلاك المنتمية لهما، ويتعلق الأمر بأكبر عملية ترقية في الصحة ستشمل جميع عمال القطاع باختلاف الرتب والأسلاك، إضافة إلى مسابقات التوظيف الخارجي لـ15 ألف أستاذ في التربية موجهة لحاملي الليسانس والماستر بداية من مارس 2015.
غير أن مصادر من وزارة التربية أعلنت أنه في حالة بلوغ الأزمة درجة تستدعي وقف عمليات التوظيف في جميع القطاعات، فإن الحكومة ستلجأ، مثلما حصل سنوات التسعينات، إلى إلغاء المسابقات الخاصة بالسلك الإداري، بالنظر إلى العجز الكبير في تعداد الأساتذة بجميع الأطوار.
بالموازاة مع ذلك، أمر عبد المالك سلال بالتحكم في نفقات التسيير المرتبطة بالمناصب الأخرى، من خلال الحد من التنقلات الرسمية إلى الخارج بما يجعلها تقتصر على ضرورة التمثيل القصوى، إضافة إلى تقليص التكفل بالوفود الأجنبية التي تزور الجزائر في إطار المبادلات الثنائية أو مختلف التظاهرات، وكذا ضرورة إخضاع تنظيم اللقاءات والندوات وغيرها من التظاهرات إلى القواعد الصارمة لمدى جدواها، والحد من إنشاء المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بما يجعلها تقتصر فقط على المنشآت الاجتماعية التربوية وترشيد تنظيمها وتسييرها.
لكن تعليمة الوزير الأول أشارت ضمنيا إلى قرار غلق الهيئات والمؤسسات العمومية العاجزة عن الاستمرار والبقاء في الساحة الاقتصادية، حيث أمر بضرورة إجراء تقييم لمدى جدواها وديمومتها، وهو قرار سيعرض مجددا آلاف العمال في هذه المؤسسات إلى التسريح، ليتكرر سيناريو التسعينات الذي أدى إلى فقدان أكثر من نصف مليون عامل لمناصبهم سنة 1996، بعد غلق 1300 مؤسسة عمومية مفلسة.
ويبدو أن عبد المالك سلال، الذي يحاول اليوم استمالة المواطن وإقناعه بضرورة التقشف لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، كحتمية لا بديل عنها، تجنب الإعلان رسميا عن قرار حل المؤسسات العمومية “المريضة” في الوقت الحالي، بالنظر إلى ما سيترتب عن القرار من تسريح لآلاف العمال، ما سيحدث ثورة تقضي على الاستقرار الاجتماعي نتيجة موجة السخط التي سترافق الإجراء.
من جهة أخرى، أمر عبد المالك سلال وزراءه بتحسين نسبة تحصيل الجباية العادية ومردودها، من خلال مضاعفة تدابير مواجهة النشاط الموازي وتحسين مستوى تحصيل الإيجار والأعباء، وغيرها من الإتاوات. وركزت تعليمة الوزير الأول، في هذا الإطار، على المداخيل المتأتية من الكهرباء والماء، ما سيؤدي حتما إلى إقرار تدابير وإجراءات جديدة، لإلزام المواطنين والإدارات بتسديد فواتيرهم في آجالها، ومحاربة مختلف أشكال التحايل والتهرب من عمليات الدفع.
وفي مجال نفقات التجهيز، أعطت تعليمة سلال الأولوية لإتمام المشاريع التي انطلقت في الآجال المحددة وضمن التكاليف المقررة. وبالنسبة لمشاريع البرنامج الجاري، التي لم يتم الانطلاق فيها، فيجب أن تتم جدولة تسلسلها قصد القيام بعمليات إعادة الهيكلة الضرورية وفق الأولوية وحسب الحاجيات المحددة الحقيقية واللازمة.
Post a Comment